22‏/08‏/2016

"إسمع وإتفرج"

مقالة: أ.أو. سكوت (صحيفة النيويورك تايمز)
ترجمة: ممدوح شلبى

"إسمع وإتفرج، تأملات عن عالم متصل" هو فيلم وثائقي عن الإنترنت للمخرج الألمانى الشهير فيرنر هيرتزوج. هذه الجملة مفهومة بما يكفى لبعض القراء.

فيرنر هيرتزوج واحد من السينمائيين الأكثر طموحاً على المستوى الفكرى – إنه الباحث عن الحقيقة بشغف، وهو جندى المشاه السينمائى الذى لا يكل، - يتناول فى هذا الفيلم ما يُطلق عليه "أحد أعظم الثورات" التى شهدتها الإنسانية. وهو فيلم يمزج بين حساسية هيرتزوج التى تثير الفضول  وبين أسرار العالم الرقمي الذى يثير الفضول أيضاً. فالأمران لا يبدو أن أحداً قادراً على مقاومتهما.

فى إطار مسيرته الفنية المتفردة - سيبلغ هيرتزوج 74 عاماً فى عيد العمال القادم – كان الفضول يقوده إلى الخطوط الأمامية حيثما تختفى الحضارة لتفسح المجال للطبيعة، لقد غامر بالذهاب إلى القطب الجنوبى وألاسكا وأدغال الأمازون وغابات وطنه الألمانى بحثاً عما هو غريب ومدهش.
عالم الإنترنت يبدو بالنسبة لفنان مُغامر مثله، كما لو كان عالماً مروضاً، لكنه عالم بمثابة مخزن للأفكار ومستودع للإلهام العقلى.

الأدوات التى نجدها بين أيادينا وفوق مناضدنا، والشبكات غير المرئية التى تتصل بهذه الأدوات، تبدو كما لو كانت تبشرنا باليوتوبيا أو تُسرع بنا إلى نهاية العالم، فيرنر هيرتزوج محاور غير مرئى بصوت لا يمكن الخطأ فيه يبدو متقبلاً لأيهما سواء اليوتوبيا أو نهاية العالم.
إنه يستمع إلى علماء ومستثمرين يبتهجون بإنتشار المعرفة ويعلمون أن الثورة الرقمية أتت بثمارها، كما يستمع أيضاً إلى الآخرين الذين يتباكون على الخصوصية وإنهيار مهارات التفكير الإنسانى

يشرح عالم الفيزياء "لوشيان وكوفيتش" كيف أن توهج شمسى يمكن أن يحطم كامل شبكة الإنترنت وكل حياتنا المُتأسسة على أسلوب التكنولوجيا الفائقة فى عدة أيام.

ومن جانب أخر، فنحن نستطيع بناء سيارات تعتمد على القيادة الذاتية، وبناء تطبيقات تتمتع بالذكاء الإصطناعى يمكنها أن تمحو الحدود بين الإنسان والآلات، ويمكن أيضاً أن نخلق مستعمرات فى المريخ.
فى بعض الأحيان، يقفز خيال هيرتزوج أبعد حتى من الأحدايث المدهشة التى تتناول موضوع فيلمه، إنه يقاطع أحاديث الباحثين والمحللين بفقرات شعرية لا تأتى بطريقة ساذجة أو مُفتعلة.

إنه يحاول أن يضغط عليهم لكى يتنبأوا بالمستقبل، ويتردد العلماء أحياناً فى هذا الأمر، فيطرح عليهم السؤال الذى يحلو لبعضهم ويجزع منه بعضهم، "هل الإنترنت يحلم لنفسه؟"

عنوان الفيلم "إسمع وإتفرج" يوحى إلى حد ما بحلم هيرتزوج عن الإنترنت، الفيلم ينقسم إلى عشرة فصول قصيرة، إنه أكثر إنطباعية من كونه موضوعياً، الكثير من الأفكار مألوفة، وبعض الأشكال المهمة عن الحياة فى عصر الإنترنت يتم تناولها بشكل عرضى او لا يتم تقديمها على الإطلاق، وعلى الرغم من أن إسم ادوارد سنودن يُسمع، إلا أنه لا يوجد أهتمام كبير بالتجسس والمراقبة، كما أن الفيلم لا يستكشف توظيف الإنترنت كأداة من جانب المؤسسات والسلطات الحكومية لما هو غير قانونى.

المحاورات بدت كما لو انها أجريت على مدى سنوات، وهذا يعطى شعوراً بغربة زمانية فى أجزاء من الفيلم.
يبدو سيبستيان ثران – مؤسس شركة أوداستى للتعليم عبر الإنترنت، متحمساً لإحتمالات التحول إلى دروسه، لكن الفشل الذى يُذاع عن هذه الدروس لا يتم كشفه فى الفيلم.
التشكيك – فى حقيقة الأمر - ليس من طبيعة هيرتزوج، وغالباً ما ينحو إلى تلميع الأساطير والثقافة الشخصية التى تحيط الفكرة العامة عن الإنترنت.

لكن هناك طريقة أخرى للنظر إلى فيلم "إسمع وإتفرج" وهى انه ليس فيلم يحقق فى الأفكار بل هو فيلم يبدو كأنه يكشف عن عينات من الناس المهتمة بالأمر، اكثر مصدر للدهشة بالنسبة لهيرتزوج  يتمثل فى تضمين نوع معين من الغرور والحماقة والشجاعة التى تجعل كل فرد متفرداً، إنه مُستمع صبور لديه القدرة على دفع موضوعاته فى إتجاه نصه الفيلمى، ومثل أفلامه التسجيلية الأخرى، فهذا الفيلم يمتلأ بالغرابة ويحتوى على لحظات قليلة من الوحى.

سواء إستجوب رواد الإنترنت – وهم أناس فى مثل سنه مازالوا حاضرين كمبدعين، أو إستمع إلى شهادات من "رهبان العصر الحديث" الذين يعيشون بعيداً عن شبكة الإنترنت، وبعيداً عن الإشعاعات الكهرومغناطيسية، فإن هيرتزوج يربط بين التعاطف والإندهاش فى سياق واحد، الإنترنت هو منجم لا حدود له، إنه أعجوبة وفى نفس الوقت شئ خطر، إنه حقيقة من حقائق الحياة وقوة من اجل أحداث تغييرات لا حصر لها، إنه فيلم من أفلام هيرتزوج الذى يُضاف إلى مجموعة أفلامه التى لا تُنسى عن الوجوه والأصوات.